فصل: ما نزل في الأحبار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 ما نزل من البقرة في يهود والمنافقين

 ما نزل في الأحبار

ففي هؤلاء من أحبار يهود ، والمنافقين من الأوس والخزرج ، نزل صدر سورة البقرة إلى المئة منها - فيما بلغني - والله أعلم ‏‏.‏‏

يقول الله سبحانه وبحمده ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ‏‏)‏‏ ، أي لا شك فيه ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قال ساعدة بن جؤية الهذلي ‏‏:‏‏

فقالوا عهدنا القوم قد حصروا به * فلا ريب أن قد كان ثم لحَيمُ

وهذا البيت في قصيدة له ، والريب أيضا ‏‏:‏‏ الريبة ‏‏.‏‏ قال خالد بن زهير الهذلي ‏‏:‏‏

كأنني أربِبُه بريب*‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ومنهم من يرويه ‏‏:‏‏

كأنني أرَيْتُه بريب *

وهذا البيت في أبيات له ‏‏.‏‏ وهو ابن أخي أبي ذؤيب الهذلي ‏‏.‏‏

‏‏(‏‏ هدى للمتقين ‏‏)‏‏ ، أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ، ويرجون رحمته بالتصديق بما جاءهم منه ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ‏‏)‏‏ أي يقيمون الصلاة بفرضها ، ويؤتون الزكاة احتسابا لها ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ‏‏)‏‏ ، أي يصدقونك بما جئت به من الله عز وجل ، وما جاء به من قبلك من المرسلين ، لا يفرقون بينهم ، ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وبالآخرة هم يوقنون ‏‏)‏‏ ، أي بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان ، أي هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان من قبلك ، وبما جاءك من ربك ‏‏(‏‏ أولئك على هدى من ربهم ‏‏)‏‏ ، أي على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم ‏‏(‏‏ وأولئك هم المفلحون ‏‏)‏‏ ، أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ إن الذين كفروا ‏‏)‏‏ ، أي بما أنزل إليك ، وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك ‏‏(‏‏ سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ‏‏)‏‏ أي أنهم كفروا بما عندهم من ذكرك ، وجحدوا ما أُخذ عليهم الميثاق لك ، فقد كفروا بما جاءك وبما عندهم ، مما جاءهم به غيرك ، فكيف يستمعون منك إنذارا أو تحذيرا ، وقد كفروا بما عندهم من علمك ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ‏‏)‏‏ ، أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا ، يعني بما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك حتى يؤمنوا به ، وإن آمنوا بكل ما كان قبلك ، ولهم بما هم عليه من خلافك عذاب عظيم ‏‏.‏‏

فهذا في الأحبار من يهود ، فيما كذّبوا به من الحق بعد معرفته ‏‏.‏‏

 ما نزل في منافقي الأوس و الخزرج

‏‏(‏‏ ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ‏‏)‏‏ يعني المنافقين من الأوس والخزرج ، ومن كان على أمرهم ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ‏‏.‏‏ في قلوبهم مرض ‏‏)‏‏ أي شك ‏‏(‏‏ فزادهم الله مرضا ‏‏)‏‏ ، أي شكا ‏‏(‏‏ ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ‏‏.‏‏ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ، قالوا إنما نحن مصلحون ‏‏)‏‏ ، أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب ‏‏.‏‏ يقول الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ‏‏.‏‏ وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس ، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ، ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ‏‏.‏‏ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلوا إلى شياطينهم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ من يهود ، الذين يأمرونهم بالتكذيب بالحق ، وخلاف ما جاء به الرسول ‏‏(‏‏ قالوا إنا معكم ‏‏)‏‏ ، أي إنا على مثل ما أنتم عليه ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ إنما نحن مستهزؤون ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي إنما نستهزئ بالقوم ، ونلعب بهم ‏‏.‏‏ يقول الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ الله يستهزئ بهم ويمدهم في طعيانهم يعمهون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يعمهون ‏‏:‏‏ يحارون ‏‏.‏‏ تقول العرب ‏‏:‏‏ رجل عمه وعامه ‏‏:‏‏ أي حيران ‏‏.‏‏ قال رؤبة بن العجاج يصف بلدا ‏‏:‏‏

أعمى الهدى بالجاهلين العُمَّه *

وهذا البيت في أرجوزة له ‏‏.‏‏ فالعُمَّه ‏‏:‏‏ جمع عامه ؛ وأما عَمِه ، فجمعه ‏‏:‏‏ عمهون ‏‏.‏‏ والمرأة ‏‏:‏‏ عمهة وعمهاء ‏‏.‏‏

‏‏(‏‏ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي الكفر بالإيمان ‏‏(‏‏ فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم ضرب لهم مثلا ، فقال تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ أي لا يبصرون الحق ويقولون به حتى إذا خرجوا به من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم به ونفاقهم فيه ، فتركهم الله في ظلمات الكفر فهم لا يبصرون هدى ، ولا يستقيمون على حق ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ صم بكم عمي فهم لا يرجعون ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي لا يرجعون إلى الهدى ، صم بكم عمي عن الخير ، لا يرجعون إلى خير و لا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليه ‏‏(‏‏ أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ، والله محيط بالكافرين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الصيب ‏‏:‏‏ المطر ، وهو من صاب يصوب ، مثل قولهم ‏‏:‏‏ السيد ، من ساد يسود ، والميت ‏‏:‏‏ من مات يموت ؛ وجمعه ‏‏:‏‏ صيائب ‏‏.‏‏ قال علقمة بن عبدة ، أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ‏‏:‏‏

كأنهم صابت عليه سحابة * صواعقها لطيرهن دبيبُ

وفيها ‏‏:‏‏

فلا تعدلي بيني وبين مُغمَّر سقتك روايا المزن حيث تصوب *

وهذان البيتان في قصيدة له ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ أي هم من ظلمة ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل ، من الذي هم عليه من الخلاف والتخوف لكم ، على مثل ما وصف ، من الذي هو في ظلمة الصيب ، يجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت ‏‏.‏‏ يقول ‏‏:‏‏ والله منزل ذلك بهم من النقمة ، أي هو محيط بالكافرين ‏‏(‏‏ يكاد البرق يخطف أبصارهم ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي لشدة ضوء الحق ‏‏(‏‏ كلما أضاء لهم مشوا فيه ، وإذا أظلم عليهم قاموا ‏‏)‏‏ ، أي يعرفون الحق ويتكلمون به ، فهم من قولهم به على استقامة ، فإذا‏ ارتكسوا منه في الكفر قاموا متحيرين ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ‏‏)‏‏ ، أي لما تركوا من الحق بعد معرفته ‏‏(‏‏ إن الله على كل شيء قدير ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

ثم قال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يا أيها الناس اعبدوا ربكم ‏‏)‏‏ ، للفريقين جميعا ، من الكفار والمنافقين ، أي وحدوا ربكم ‏‏(‏‏ الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ‏‏.‏‏ الذي جعل لكم الأرض فراشا ، والسماء بناء ، وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ، فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الأنداد ‏‏:‏‏ الأمثال ، واحدهم ‏‏:‏‏ ند ‏‏.‏‏ قال لبيد بن ربيعة ‏‏:‏‏

أحمد الله فلا ندَّ له * بيديه الخير ما شاء فعلْ

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر ، وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره ، وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيده هو الحق لا شك فيه ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ‏‏)‏‏ أي في شك مما جاءكم به ، ‏‏(‏‏ فأتوا بسورة من مثله ، وادعوا شهداءكم من دون الله ‏‏)‏‏ ، أي من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه ‏‏(‏‏ إن كنتم صادقين ، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ‏‏)‏‏ فقد تبين لكم الحق ‏‏(‏‏ فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ‏‏)‏‏ ، أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر ‏‏.‏‏

ثم رغبهم وحذرهم نقض الميثاق الذي أخذ عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم ، وذكر لهم بدء خلقهم حين خلقهم ، وشأن أبيهم آدم عليه ‏السلام وأمره ، وكيف صُنع به حين خالف عن طاعته ، ثم قال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يا بني إسرائيل ‏‏)‏‏ للأحبار من يهود ‏‏(‏‏ اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ أي بلائي عندكم وعند آبائكم ، لما كان نجاهم به من فرعون وقومه ‏‏(‏‏ وأوفوا بعهدي ‏‏)‏‏ الذي أخذت في أعناقكم لنبِيِّي أحمد إذا جاءكم ‏‏(‏‏ أوف بعهدكم ‏‏)‏‏ أنجز لكم ما وعدتكم على تصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الآصار والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم ‏‏(‏‏ وإياي فارهبون ‏‏)‏‏ أي أن أُنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من النقمات التي قد عرفتم ، من المسخ وغيره ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ، ولا تكونوا أول كافر به ‏‏)‏‏ وعندكم من العلم فيه ما ليس عند غيركم ‏‏(‏‏ وإياي فاتقون ‏‏.‏‏ ولا تلبسوا الحق بالباطل ، وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ‏‏)‏‏ ، أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي ومما جاء به ، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم ‏‏(‏‏ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ‏‏)‏‏ ، أي أتنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وتتركون أنفسكم ، أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي ، وتنقضون ميثاقي ، وتجحدون ما تعلمون من كتابي ‏‏.‏‏

ثم عدد عليهم أحداثهم ، فذكر لهم العجل وما صنعوا فيه ، وتوبته عليهم ، وإقالته إياهم ، ثم قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أرنا الله جهرة ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ جهرة ، أي ظاهرا لنا لا شيء يستره عنا ‏‏.‏‏ قال أبو الأخزر الحماني ، واسمه قتيبة ‏‏:‏‏

يجهر أجواف المياه السَّدم *

وهذا البيت في أرجوزة له ‏‏.‏‏

يجهر ‏‏:‏‏ يقول ‏‏:‏‏ يُظهر الماء ، ويكشف عنه ما يستره من الرمل وغيره ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأخذ الصاعقة إياهم عند ذلك لغرتهم ، ثم إحياءه إياهم بعد موتهم ، وتظليله عليهم الغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى ، وقوله لهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ‏‏)‏‏ ، أي قولوا ما آمركم به أحط به ذنوبكم عنكم ؛ وتبديلهم ذلك من قوله استهزاء بأمره ، وإقالته إياهم ذلك بعد هزئهم ‏‏.‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ المن ‏‏:‏‏ شيء كان يسقط في السحر على شجرهم ، فيجتنونه حلوا مثل العسل ، فيشربونه ويأكلونه ‏‏.‏‏ قال أعشى بني قيس ابن ثعلبة ‏‏:‏‏

لو أُطعموا المن والسلوى مكانهمُ * ما أبصر الناس طعما فيهم نجعا

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ والسلوى ‏‏:‏‏ طير ؛ واحدتها ‏‏:‏‏ سلواة ؛ ويقال ‏‏:‏‏ إنها السماني ؛ ويقال للعسل أيضا ‏‏:‏‏ السلوى ‏‏.‏‏ وقال خالد بن زهير الهذلي ‏‏:‏‏

وقاسمها بالله حقا لأنتمُ * ألذ من السلوى إذا ما نَشُورها

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وحِطَّة ‏‏:‏‏ أي حُطَّ عنا ذنوبنا ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان من تبديلهم ذلك ، كما حدثني صالح بن كيسان عن صالح مولى التَّوْءَمة بنت أمية بن خلف ، عن أبي هريرة ومن لا أتهم ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ دخلوا الباب الذي أُمروا أن يدخلوا منه سجدا يزحفون ، وهم يقولون ‏‏:‏‏ حنط في شعير ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويروى ‏‏:‏‏ حنظة في شعيرة ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ واستسقاء موسى لقومه ، وأمره إياه أن يضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت لهم منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط عين يشربون منها ، قد علم كل سبط عينه التي منها يشرب ؛ وقولهم لموسى عليه السلام ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ لن نصبر على طعام واحد ، فادع لنا ربك يخُرجْ لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الفُوم ‏‏:‏‏ الحنطة ‏‏.‏‏ قال أمية بن أبي الصلت الثقفي ‏‏:‏‏

فوق شيزى مثل الجوابي عليها * قِطَع كالوذيل في نِقْي فُومِ

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الوذيل ‏‏:‏‏ قطع الفضة ‏‏.‏‏ والفوم ‏‏:‏‏ القمح ؛ واحدته ‏‏:‏‏ فومة ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏

‏‏(‏‏ وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ‏‏.‏‏ اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلم يفعلوا ، ورَفْعه الطور فوقهم ليأخذوا ما أوتوا ؛ والمسخ الذي كان فيهم ، إذ جعلهم قردة بأحداثهم ، والبقرة التي أراهم الله عز وجل بها العبرة في القتيل الذي اختلفوا فيه ، حتى بين الله لهم أمره ، بعد التردد على موسى عليه السلام في صفة البقرة ؛ وقسوة قلوبهم بعد ذلك حتى كانت كالحجارة أو أشد قسوة ‏‏.‏‏ ثم قال تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ، وإن منها لما يهبط من خشية الله ‏‏)‏‏ ، أي وإن من الحجارة لَأَلين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق ‏‏(‏‏ وما الله بغافل عما تعملون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

ثم قال لمحمد عليه الصلاة والسلام ولمن معه من المؤمنين يُؤْيسهم منهم ‏‏(‏‏ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ‏‏)‏‏ ، وليس قوله ‏‏(‏‏ يسمعون التوراة ‏‏)‏‏ ، أن كلهم قد سمعها ، ولكنه فريق منهم ، أي خاصة ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ، فيما بلغني عن بعض أهل العلم ‏‏:‏‏ قالوا لموسى ‏‏:‏‏ يا موسى ، قد حيل بيننا وبين رؤية الله ، فأسمعنا كلامه حين يكلمك ، فطلب ذلك موسى عليه السلام من ربه ، فقال له ‏‏:‏‏ نعم ، مرهم فليطهروا ، أو ليطهروا ثيابهم ، وليصوموا ، ففعلوا ‏‏.‏‏

ثم خرج بهم حتى أتى بهم الطور ؛ فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى فوقعوا سجدا ، وكلمه ربه ، فسمعوا كلامه تبارك وتعالى ، يأمرهم وينهاهم ، حتى عقلوا عنه ما سمعوا ، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل ، فلما جاءهم حرّف فريق منهم ما أمرهم به ، وقالوا ، حين قال موسى لبني إسرائيل ‏‏:‏‏ إن الله قد أمركم بكذا وكذا ، قال ذلك الفريق الذي ذكر الله عز وجل ‏‏:‏‏ إنما قال كذا وكذا ، خلافا لما قال الله لهم ، فهم الذين عنىالله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏

ثم قال تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ‏‏)‏‏ ، أي بصاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ لا تحدثوا العرب بهذا ، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان فيهم ‏‏.‏‏ فأنزل الله عز وجل فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون ‏‏)‏‏ ، أي تُقرون بأنه نبي ، وقد عرفتم أنه قد أُخذ له الميثاق عليكم باتباعه ، وهو يخبركم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا ؛ اجحدوه ولا تقروا لهم به ‏‏.‏‏ يقول الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ، ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيَّ ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ، عن أبي عبيدة ‏‏:‏‏ إلا أماني ‏‏:‏‏ إلا قراءة ، لأن الأمي ‏‏:‏‏ الذي يقرأ ولا يكتب ‏‏.‏‏ يقول ‏‏:‏‏ لا يعلمون الكتاب إلا أنهم يقرءونه ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عن أبي عبيدة ويونس أنهما تأولا ذلك عن العرب في قول الله عز وجل ، حدثني أبو عبيدة بذلك ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني يونس بن حبيب النحوي وأبو عبيدة ‏‏:‏‏ أن العرب تقول ‏‏:‏‏ تمنى ، في معنى قرأ ‏‏.‏‏ وفي كتاب الله تبارك وتعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وأنشدني أبو عبيدة النحوي ‏‏:‏‏

تمنى كتاب الله أول ليله * وآخره وافى حِمام المقادرِ

وأنشدني أيضا ‏‏:‏‏

تمنى كتاب الله في الليل خاليا * تمنى داودَ الزبورَ على رِسْلِ

وواحدة الأماني ‏‏:‏‏ أمنية ‏‏.‏‏ والأماني أيضا ‏‏:‏‏ أن يتمنى الرجل المال أو غيره ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإن هم إلا يظنون ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه ، وهم يجحدون نبوتك بالظن ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ، قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏